الربُّ يسوع المسيح هو إله كامل وإنسان كامل. هو إله قبل أن يتجسَّد وبقيَ إلهًا. هنا طرح السؤال في الفنِّ الإيقونغرافيِّ اللاهوتيِّ. كيف يُصوَّر يسوع في مراحل طفولته؟.

فكان الجواب وجهًا بالغًا في كلِّ المراحل الَّتي تُظهره فيها الأيقونة. في المذود في أيقونة الميلاد، في رحلة يوسف ومريم ويسوع إلى مصر، ذهابًا وإيابًا، في أيقونة اللقاء أي دخول يسوع إلى الهيكل، في الأيقونات الَّتي يكون يسوع فيها محمولًا على ذراعَي والدة الإله، وفي الأيقونات الَّتي نراه فيها جالسًا في الهيكل وسط العلماء، وكان بعمر الاثني عشر.

قد يسأل سائل، لماذا إظهار يسوع بوجه بالغ قبل أن يبلغ، وقياسات وجهه ليست قياسات وجه طفل، وقد يدعم سؤاله بالآيتين التاليتين، اللتين تُفهَمان خطأً في بعض الأحيان، وهما:

«وكان الصبيُّ ينمو ويتقوَّى بالروح، ممتلئًا حكمة، وكانت نعمة الله عليه» (لوقا 2 : 40).

«وأمَّا يسوع فكان يتقدَّم في الحكمة والقامة والنعمة، عند الله والناس» (لوقا 2 : 52).

فسَّرَ القدِّيس غريغوريوس النيصصي، هاتين الآيتين تفسيرًا واضحًا ودقيقًا. النموُّ يَخصُّ طبيعته البشريَّة الَّتي اتَّخذَها. فهو وُلِدَ رضيعًا وكبر ونما بالجسد ولكن ليس بطبيعته الإلهيَّة. فطبيعته البشريَّة هي الَّتي تتقوَّى بالروح وليس ألوهيَّته.

كذلك قال القدِّيس أثناسيوس الكبير في خطابه ضدَّ الأريوسيِّين، بأنَّ التقدُّم خصَّ الجسد، وإذ هو يتقدَّم، يتقدَّم أيضًا إعلان اللاهوت، لذا كانت نعمته تتزايد أمام الناس. ويتابع، مثل الحكمة الَّتي بنت بيتها (أمثال 9 : 1)، وأعطت لذاتها نموًّا لبيتها[1].

إذًا حرصت الكنيسة بفنِّها الكنسيِّ على أن يكون مطابقًا للاهوتها، لأنَّ التصوير الكنسيَّ هو تعليم.

وجه يسوع البالغ يدعونا نحن أيضًا لننمو معه بالروح والحكمة والنعمة لملء قامة المسيح. هذا النموُّ يمرُّ بإخلاء الذات كما الربُّ أخلى ذاته، واتَّضع اتِّضاعًا كاملًا "حتَّى الموت، موت الصليب" (فيليبِّي 2 : 8).

لهذا رافق تصوير وجه يسوع في الأيقونات وجود الصليب المقدَّس وكلمة OWN الَّتي تعني الكائن «يهوه»، كما عرَّف الله عن نفسه لموسى النبيِّ في العلَّيقة المشتعلة (خروج 15:3).

فالوجه البالغ للربِّ والصليب واسمه في دائرة القداسة حول وجه الربِّ المخلِّص، هي دعوة قداسة لنا أيضًا للتخلِّي عن كبريائنا والاتِّحاد بمن أتى إلينا ليرفعنا إليه.

هكذا نحن نرتِّل ميلاديًّا (كاطافاسيَّات): «المسيح وُلِدَ فمجِّدوه، المسيح أتى من السماوات فاستقبِلُوه، المسيحُ على الأرض فارتفِعُوا».

استقباله في قلوبنا هو ارتفاع وارتقاء، لأنَّه حيث يكون النور يندحر الظلام. ومسيرة الاستقبال يلزمها تحضير وتهيئة وتنقية وتوبة ومراجعة للذات، لهذا يوجد صوم الميلاد الأربعينيّ، الَّذي يُدخلنا شيئًا فشيئًا في التدبير الإلهيِّ الَّذي أعدَّهُ الله لخلاص البشريَّة، ويوصلنا إلى ميلاد المسيح، الإله القدير الَّذي ارتضى بمشيئته أن يولد في مذود البهائم لينتشلنا من بهيميَّة سقوطنا في الخطيئة، ويخلع عنَّا كلَّ مجد أرضيٍّ زائف وزائل. فهو الَّذي جذب المسكونة إليه، الرعاة والمجوس الملوك. مغارة الميلاد أضحت سماءً على الأرض بوجود المقمَّط بالأقمطة فيها. هذه المغارة كما الأقمطة سنراها في أيقونة القبر الفارغ، الأولى اختفى ظلامها والثانية أقمطة فارغة لأنَّ المسيح قام.

فهذا الترابط من حدث الميلاد إلى نزول الربِّ إلى الجحيم وإقامته لنا واحد.

نحن نأتي المغارة ساجدين ونخرج منها واقفين. واقفين في ديار الرب نرتِّلُ ونهلِّلُ ونسبِّح وننشد المزمور القائل: «هللويا. سبِّحوا اسم الربِّ. سبِّحوا يا عبيد الربِّ، الواقفين في بيت الربِّ، في ديار بيت إلهنا» (مزمور 135 : 1-2).

حاشا أن تكون كلمة عبيد الربِّ هنا عبوديَّة أو استعبادًا. فالربُّ حرِّيَّة، ويحرِّرنا من كلِّ استعباد. لهذا قالت والدة الإله للملاك جبرائيل بكامل حرِّيَّتها : «هوذا أنا أمة الربِّ. ليكن لي كقولك» (لوقا 1 : 38). فكلمة أمةٌ تعني عبدة. وقصدت بها أنا عابدة للربِّ وليس أيّ شيء آخر. كذلك، ونقولها تكرارًا ومرارًا، بولس الرسول نفسه الَّذي كتب «وأمَّا الربُّ فهو الروحُ، وحيث روحُ الربِّ هناك حرِّيَّة» (2 كو 3 : 17)، افتتح رسالته إلى أهل رومية: «بولس، عبدٌ ليسوع المسيح، المدعُوُّ رسولًا، المُفرَز لإنجيل الله».

خلاصةً، كتب الكاتب الفرنسيُّ المعاصر FREDERIC BOYER في إصدار كانون الأوَّل 2023 من مجلَّة La Croix Hebdo مقالًا شيِّقًا بعنوان: «الملكوت هو أنت» (Le Royaume, c’est toi)، أستخلص منه ما يقول فيه: نحن دخلنا في زمن المجيء Adventus، وهي كلمة لاتينيَّة كانت تشير إلى استقبال امبراطور أو مسؤول كبير عند دخوله المدينة. بحيث كانت تقام احتفالات مهيبة تليق بالداخل. وأكمل، إذا حاولنا تطبيق ذلك على دخول المسيح اليوم مدينتَنا، وقلوبَنا، فأيَّ نوع من الاستقبال نحن نحضِّر له؟ فليس مجيء المسيح حالة انتظار مرجوَّة وحتميَّة، بل هو وقت لفحص ضميرنا (prise de conscience).

وبعد أن يذكر الكاتب سقوط بابل في سفر الرؤيا: «سَقَطَت! سَقَطَت بابلُ العظيمة! وصارت مسكنًا لشياطين، ومحرسًا لكلِّ روح نجس، ومحرسًا لكلِّ طائر نجس وممقوت... ثمَّ سمعتُ صوتًا آخر من السماء قائلًا: «اخرجوا منها يا شعبي لئلَّا تشتركوا في خطاياها، ولئلَّا تأخذوا من ضرباتها». وهنا يسأل الكاتب: «هل نحن نستحقُّ هذا المجيء الملوكيَّ والانتصار على الشرِّير والشرِّ؟ هل نحن شعبه؟

ويختم مقاله بآية أنارت قراءته: «وجعَلَنا (يسوع) مُلوكًا وكهنةً للَّه أبيه» (رؤيا 1 : 6)، مستذكرًا ما قاله الربُّ : «ملكوت الله داخِلَكُم» (لوقا 17 : 21) داعيًا أن يفحص كلُّ واحد منَّا ما فعله من أجل المكوت.

نعم يا ربّ، اجعلنا بميلادك المجيد أن نكون بالغين في إيماننا لنبلغ خلاصك الأبديَّ.

إلى الربِّ نطلب.

[1] - Against Arians 3:52.